لماذا لم يسقط اردوغان طائرة روسية انتهكت أجواء بلاده الجمعة الماضي؟ ولماذا لم يرد بوتين على طلبه باللقاء؟ وهل كان هذا الاختراق الروسي استفزازا متعمدا في إطار خطة انتقامية؟
31 يناير، 2016
758 9 دقائق
يمنات – رأي اليوم
تصاعدت الازمة في العلاقات التركية الروسية مساء الجمعة عندما استدعت وزارة الخارجية في انقرة السفير الروسي للاحتجاج على انتهاك طائرة روسية من طراز “سو 34″ الاجواء التركية في منطقة غازي عنتاب المحاذية للحدود السورية لاكثر من 25 ثانية، وقالت الوزارة على لسان متحدث باسمها ان عدة تحذيرات باللغتين الانكليزية والروسية جرى توجيهها لطيارها.
وزارة الدفاع الروسية وعلى لسان المتحدث باسمها الميجور جنرال ايغور كوناسينكوف، وصف هذه الاتهامات التركية بأنها “دعاية”، وقال ان رادارات تركيا ليس لديها القدرة على تحديد هوية طائرة بعينها.
انتهاكات طائرات روسية للاجواء التركية ليس بالامر الجديد، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، اسقطت مقاتلات تركية قاذفة روسية سقطت فوق جبل التركمان، شمال سورية لانها اخترقت هذه الاجواء لبضعة ثوان، وهو ما نفته السلطات الروسية.
العلاقات التركية الروسية تعيش حالة من التوتر منذ حادث اسقاط الطائرة الروسية، وهو الحادث الذي ردت عليه القيادة الروسية بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على تركيا، واوقفت جميع صادراتها منها، ومنعت اربعة ملايين من مواطنيها من زيارة المنتجعات التركية، والمناطق السياحية، وفرضت تأشيرات دخول على المواطنين الاتراك الذين يرغبون في زيارة روسيا.
هناك عدة اسباب ربما تفسر عدم اقدام الطائرات الحربية التركية من اسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت اجواءها هذه المرة اسوة بالمرة السابقة:
اولا: رغبة الحكومة التركية في تجنب التصعيد، وبالتالي المواجهة مع روسيا، وربما مرد ذلك التوصل الى قناعة بأن القيادة الروسية تتعمد مثل هذا التحرش للاقدام على عمل انتقامي، واسقاط احدى الطائرات التركية.
ثانيا: الطائرات “سو 34″ التي اخترقت الاجواء التركية يوم الجمعة الماضي هي الاحدث في سلاح الجو الروسي، ويصعب اسقاطها بسهولة مثل نظيرتها الاولى من طراز (سو 24)، الاقدم والاقل تجهيزا.
ثالثا: ادركت تركيا ان حلف الناتو الذي تتمتع بعضويته ليس في وارد الدخول في مواجهة مع روسيا، بسبب انتهاك الاجواء التركية لبضعة ثوان، وفي وقت يرتقي فيه التفاهم الروسي الامريكي في الملف السوري الى اعلى مستويات هذه الايام.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان صرح قبيل مغادرته الى امريكا اللاتينية امس بأنه طلب لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين لبحث احدث فصول الازمة، ولكنه لم يتلق اي رد، مثلما كان حال طلبات مماثلة سابقة، اثناء اسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني (نوفمير) الماضي، مما يعني ان الرئيس بوتين ليس في وارد المصالحة مع تركيا قبل الاقدام على عمل انتقامي للاهانة التي وجهت اليه وبلاده بإسقاط المقاتلات التركية لاحدى مقاتلاته، ومقتل احد طيارييها على يد ميليشيات تركمانية اسرته.
الرئيس اردوغان يعيش مأزقا خطيرا مع جاره الروسي الذي يحيط به من الشمال والشرق (سورية)، فاذا اسقط الطائرة الاخيرة التي انتهكت سيادة بلاده واجواءها فانه قد ينجر الى حرب جوية غير متكافئة، وغير مأمونة العواقب ووفقا للشروط الروسية، واذا لم يسقطها فانه سيشجع الروس على اختراقات ربما اعمق، وسيظهر بمظهر “المتردد” او “الخائف”، الامر الذي سيخيب آمال العديد من انصاره داخل تركيا وخارجها، الذين اشادوا بشحاعته وبطولته لانه لم يتسامح مع اي اختراق لاجواء بلاده من قبل روسيا وطائراتها، ووجه صفعة قوية الى الرئيس الروسي، لم يقدم عليها اي زعيم آخر غيره، باسقاطه الطائرة الروسية الاولى.
تحلي الرئيس اردوغان بضبط النفس، وعدم اسقاط الطائرة الروسية الاخيرة، كرد على هذا “الاستفزاز″ المتعمد هو قمة الحكمة والتعقل، لان خوض حرب مع روسيا في مثل هذا التوقيت، وفي ظل التحالف الامريكي الروسي المتصاعد، وعدم الحصول على ضمانات مؤكدة بالدعم المطلق من حلف الناتو، هو نوع من الانتحار السياسي والعسكري، خاصة ان الذي يحكم روسيا هو بوتين، وليس غورباتشوف المستسلم، ويلتسين السكير المدمن.
اردوغان اتخذ القرار الصائب.. واجل المواجهة مع بوتين.. حتى الآن على الاقل.